Thursday, December 5, 2013

دفاعًا عن الحرية الديمقراطية

مقتطفات من مقال "دفاعًا عن الديمقراطية" لناصيف نصار، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، مجلة "العربي" شهر نوفمبر 2012
لقراءة المقال الكامل، هنا.





"يبدو من التغييرات التي حصلت منذ تحركات الجماهير العربية لإسقاط أنظمة استبدادية فاسدة أن مبدأ الحرية الديمقراطية غير واضح بما فيه الكفاية في تصورات الجماهير وفي فكر الأحزاب المتنافسة على الحكم.

تعد الانتخابات آلية مهمة لتنظيم عملية تداول السلطة وشرعية المعارضة. إلا أنها ـ على أهميتها ـ ليست بيت القصيد. لنبدأ بسؤال بسيط: من هو طالب الحرية الديمقراطية؟ الإجابة هي: الفرد والشعب. يتعرف الشعب الديمقراطي إلى نفسه من خلال فردية الأفراد الذين يضمهم. فلا ديمقراطية حقيقية من دون شعب لا يلغي أفراد يدركون أنفسهم كشعب واحد. والصعوبة كل الصعوبة في الديمقراطية تكمن في التوفيق الذي لا بد منه بين حرية الفرد ـ أو حرية الأفراد ـ وحرية الشعب. وإن هذه لفكرة معروفة في أدبيات الديمقراطية ولكن يجب التذكير بها حيث تتعرض دائمًا لتفسيرات مشوهة أو مغلوطة أو ناقصة. وتأتي هذه التفسيرات الخاطئة من مصدرين: مصدر ليبرالي (ما يمكننا تسميته بالليبرالية المنفلتة) ومصدر يمثله التيار اليميني (الأحزاب والكيانات التي ترفع شعارات دينية).



الديمقراطية مسؤولية فرد

الفرد في المجتمع الديمقراطي قيمة في حد ذاته. والحرية التي يطالب بها هي حرية لنفسه وللآخرين. ويكمن الخطر الذي يتهدد الفرد في نسيان أن وجوده مع الآخرين يحدد مدى تعامله مع حريته وكيفيتها. وهذا النسيان هو أساس تحول الليبرالية الديمقراطية إلى ليبرالية فردانية أنانية نرجسية استهلاكية منفلتة. هذا ويجب فضح هذه الليبرالية المنفلتة والتصدي لها بكل الوسائل التربوية والإعلامية والتشريعية، وهذا باسم الحرية نفسها من جهة، وباسم العدل من جهة أخرى.

يوجه معظم من يعارض الليبرالية في البلدان العربية باسم الهوية والأصول والتقاليد اعتراضهم على الليبرالية المنفلتة كما يرونها في البلدان الغربية وفي بعض الممارسات في البلدان العربية. وهذا يعطيهم أسبابًا لرفضها ويعفيهم من مسؤولية الخوض بجدية في حقيقة الحرية ومكانتها في الوجود الإنساني.

أما الذين يدافعون عن الليبرالية مكتفين بالصورة المبتذلة عن بعض فضائلها الاقتصادية والسياسية، فإنهم يسلكون طريق السهولة ويعفون أنفسهم من التفكير في مستلزمات الحرية الديمقراطية؛ وهي مستلزمات تقودهم إلى تأسيس الحرية الديمقراطية على أسس من الحقيقة الوطنية وأخلاقيات المسؤولية والتكافل الاجتماعي.



الليبرالية وأصول الحرية

نعلم أن الحدود الفاصلة بين الحرية المنفلتة والحرية المنضبطة مسألة صعبة ودقيقة وشائكة. وعلى الرغم من ذلك، نجد أن هذه الصعوبة قابلة للتذليل من خلال حوار عقلاني يبدأ باعتراف الجميع بأنه لا بد من حدود معينة يلتزم المواطنون باحترامها وفقًا لمقتضيات الميادين التي يعملون فيها. هذا ويعد الرجوع إلى العقل والعدل ضامنًا لأفضل الشروط لما يمكن أن يكون قرارًا صحيحًا.

إذا كانت الليبرالية المنفلتة لا تعطي صورة عن الحرية الديمقراطية سوى صورة منحرفة ومشوهة، فإن التيار اليميني لا يعطي صورة أفضل.



التيار اليميني والديمقراطية

تحاول بعض الاتجاهات داخل التيار اليميني أن تتحاور مع الديمقراطية وقيمها. ولكن لا تدل التجربة على أن التيار اليميني "المعتدل" واضح القطيعة مع التيار اليميني "المتشدد" فيما يتعلق بالمسألتين اللتين تؤكد عليهما الديمقراطية الليبرالية بلا أية مساومة، وهما استقلالية الفرد وعلمانية الدولة والسلطة السياسية.

تتسبب مقولة "أهل السنة والجماعة" والمقولات المؤطرة لها في منع التقدم الذي قدمه القرآن الكريم على صعيد حقوق الفرد البشري. فيما يخص الحرية الدينية، على سبيل المثال، يفتح القرآن الكريم الباب واسعًا أمام الفرد كي يحدد إيمانه بنفسه وفقًا للآية الكريمة: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".

التيار اليميني لا يستطيع بعد اليوم إقناع الجماهير المطالبة بالتغيير والحرية والديمقراطية. حيث إن الشعب ليس كله "جماعة المؤمنين"؛ لا بالإسلام ولا بأي دين ولا بأية عقيدة. الشعب جماعة أفراد أحرار عقلاء يكدحون للبقاء والارتقاء ولهم مصالحهم الخاصة ومصالحهم العمومية المستندة إلى قاعدة أنهم متساوون في الكرامة والحقوق والواجبات ومتساوون أمام القانون ومتساوون في الانتماء الوطني. وفي منطق الحرية الديمقراطية، لا سبيل إلى الخلط بين الشعب بمفهومه الاجتماعي الدنيوي التاريخي وبين الشعب بحسب تقسيمات العقائد.



مدنية أم علمانية؟!

توجد نقاشات مرتبكة أو خاطئة أو مخادعة حول الحرية الديمقراطية في العالم العربي. حيث لا تهم المسألة أنصار الليبرالية وحدهم، بل تهم جميع الفئات الاجتماعية. ولذلك، تحتاج حركة التغيير بجميع أجنحتها إلى نظرية واضحة ومتماسكة وملائمة عن الحرية الديمقراطية. وهنا، تقفز مسألة النموذج إلى الواجهة. أرى أن البلدان العربية غير مضطرة إلى اعتماد نموذج غير النموذج الذي تبنيه بنفسها على أساس المبادئ الإنسانية العامة لفكرة الحرية الديمقراطية. وهذا بالطبع أمر صعب، ولكنه أجدى من كل اقتباس أعمى ومن كل تقليد كسول."

جميع حقوق النشر والاقتباس محفوظة "لمجلة العربي" وزارة الإعلام - دولة الكويت
ص.ب 748 الصفاة - الرمز البريدي 13008 تليفون : 2437875 - فاكس : 2451562